الفيتو الأمريكي وطلب وقف الحرب في غزة: قراءة في خلل النظام الدولي

أ.د أحمد علي جاد.   أستاذ العلوم السياسية 

مرة أخرى يعكس الموقف الأمريكي في مجلس الأمن، عبر استخدام حق النقض (الفيتو) أمام مشروع قرار لوقف الحرب في غزة، حجم الاختلال العميق في قواعد النظام الدولي وآلياته، فبينما يتوالى سقوط الضحايا المدنيين، وتتصاعد صور الدمار والمعاناة الإنسانية، يختزل القرار الأممي في صوتٍ واحد من واشنطن يُسقط إرادة الأغلبية الدولية ويُبقي على آلة الحرب مشتعلة.
وهذا الفيتو لم يكن الأول من نوعه، بل يأتي امتداداً لمسار طويل اعتمدت فيه الولايات المتحدة الأمريكية على امتيازاتها في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من أي مساءلة أو ضغط دولي، وهو ما جعل مبادئ العدالة وحقوق الإنسان رهينة لمعادلات القوة ومصالح الدول الكبرى، وإن ما جرى لا يكشف فقط عن تحيز سياسي بل عن خلل هيكلي يطعن في مصداقية النظام الدولي برمته، حيث يظل القانون الدولي عاجزاً أمام السلاح الأقوى( حق النقض).
وإن مشهد النقاشات داخل المجلس حيث وقفت غالبية الدول مع وقف إطلاق النار حمايةً للأبرياء، يقابله رفض أمريكي منفرد، يؤكد أن ما يُسمى بـالنظام القائم على القواعد هو في حقيقته نظام قائم على المصالح وازدواجية المعايير، وكيف يمكن للعالم أن يتحدث عن حقوق الإنسان بينما يُفرَض الصمت على المذابح بقرار أحادي من دولة واحدة؟
والفيتو الأمريكي الأخير لا يضرب فقط آمال الفلسطينيين في الحماية الدولية، بل يوجه ضربة قاسية لفكرة العدالة العالمية، ويعزز الشعور بأن الأمم المتحدة تحولت إلى أداة في يد القوى العظمى، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية ، التي توظفها لحماية حلفائها ومصالحها الاستراتيجية، وهذه الصورة تُضعف ثقة الشعوب في المؤسسات الأممية، وتدفع نحو البحث عن صيغ بديلة أكثر عدلاً للتعاون الدولي.
ويمكن القول إن غزة لم تكشف فقط عن حجم المأساة الإنسانية في ظل الحرب، بل عرت هشاشة النظام الدولي نفسه، وأظهرت أن العالم يعيش تحت نظام غير متوازن، حيث يُعاقب الضعفاء ويحمى الأقوياء، وما لم يُعاد النظر في قواعد النظام الدولى، فإن الفيتو سيظل سيفاً مسلطاً على العدالة الدولية، ويظل السلام العالمي رهينة لإرادة القوى الكبرى.

إرسال تعليق

أحدث أقدم