المستشار الجليل محمد طلبه شعبان يبدع من جديد ردا على اتهامه بكتابة الشعر وانخراطه في الوسط الثقافي والأدبي ويعترف بكل ثقة وفخر مخاطبا (سعاد ) نجمة الشعراء في قصيدة عصماء بعنوان ( قاضي الشعراء )
إني لذنبك يا (سعاد )لمقترف
متلبس بالشعر قاضٍ يعترف
والعذر مني إن كتبتُ قصيدة
الحب فيها فائق من محترف
قالوا بأن الشعر أصبح سُبةً
وعميق بحري للغواية ينجرف
يا نجمة الشعراء إني فارس
قمر يضيء وبالعدالة يلتحف
هل يُظلم الشعراء غيباً هكذا
ويُسطِر الأفاك زورا ينحرف
سأقول للشعراء إني مذنب
والشعر جِنٌ بالقوافي ينصرف
وبأنني منكِ اقتبست مشاعراً
أما المجاز فعند شطك يغترف
قد قلتِ يا غيداء شعراً قبلنا
أيكون حرفي خائف أو مرتجف
سأقول للغيداء إني هائم
وبقصرك الدري أبقى معتكف
وبأنني أهوى القصيدَ ونظمه
والشعر حق بالحقيقة يأتلف
للحُكم والتنوير أبقى رائداً
للشعر قاضٍ بالرجولة متصف
وقد احتفى كبار النقاد والشعراء وأساتذة اللغة والأدب بالقصيدة بتحليلاتهم الأدبية فقال الأستاذ الدكتور عبد الجيد بحيري :
قاضي الشعراء:
محاكمة شعرية بين الاعتراف والدفاع
تأتي أبيات قاضي الشعراء بوصفها نموذجاً لتداخل الذاتي بالوظيفي، حيث تتحول الكتابة الشعرية إلى فعل اعترافي ودفاعي في آنٍ واحد.
فالقصيدة لا تكتفي بإبراز تجربة وجدانية، بل تصوغ موقفاً فكرياً وجمالياً يضع الشعر في مقام العدالة والتنوير.
وبذلك تنتمي هذه القصيدة إلى ما يمكن تسميته بـ "الخطاب الميتاشعري"، أي ذلك الخطاب الذي يجعل الشعر موضوعاً للشعر نفسه.
يُفتتح النص باعتراف الشاعر: "إني لذنبك يا سعاد لمقترف"، وهو اعتراف يتجاوز البعد العاطفي ليصبح إعلان انتماء وجودي للشعر.
هذا الاعتراف ليس موقفاً عابراً، بل يتكرر عبر النص بصيغ متباينة: "سأقول للشعراء إني مذنب"، "سأقول للشعراء إني هائم"، وهو ما يمنح النص طابعاً إيقاعياً دائرياً يعكس هوس الشاعر بالبوح.
إذن، يقوم النص على بنية ثنائية،
الذنب/الاعتراف: باعتباره وجه الالتصاق بالشعر.
العدل/الدفاع: باعتباره دور الشاعر – القاضي، الذي يحكم لصالح الشعر ضد من يتهمه.
التزام شاعرنا بالبنية العمودية (الوزن الخليلي والقافية الموحدة) لا ينفصل عن دلالة القصيدة؛ إذ إن الشكل التقليدي هنا يرمز إلى المحكمة، بما تحمله من نظام وانضباط.
كما أن تكرار بعض الصيغ (سأقول للشعراء – إني...) يعكس وظيفة التوكيد ويدل على ما يسميه النقد الأسلوبي بـ "الإيقاع الداخلي المتكرر" الذي يضاعف من سلطة الاعتراف.
حيث تٌولد الصور الإبداعية مثل،
البحر: رمز للغواية والفيض اللاشعوري، يحيل إلى غموض العملية الإبداعية.
الجنّ: صورة أسطورية تجسد الطاقة الغامضة التي تتحكم في القوافي، وتستدعي الموروث العربي في تفسير الإلهام.
القمر، النجمة، القصر الدري: رموز للسمو الروحي والنقاء، تمثل "المطلق الشعري" الذي يتعالى على اليومي.
من خلال هذه الصور، يتأسس النص على جدلية المحسوس/المجرد: فالشاعر يستعير مفردات الطبيعة والخيال ليعبر عن قضايا فكرية تتعلق بمصير الشعر ذاته.
لغة القصيدة تتراوح بين التقريرية القضائية والوجدانية العاطفية.
الجانب القضائي يتجلى في مفردات: (قاضٍ – الحكم – العدل – الحقيقة – التنوير).
الجانب العاطفي يظهر في مفردات: (الحب – الهائم – المعتكف).
هذا التداخل يعكس ما يسميه النقد الحديث بـ "ازدواجية الخطاب الشعري"، حيث يتناوب فيه الذاتي مع الموضوعي، والعاطفة مع الفكر،
من خلال النص، يتضح أن الشعر عند "قاضي الشعراء" ليس مجرد ممارسة جمالية، بل هو:
قدر وجودي: يظهر من خلال اعترافه بالذنب الشعري الذي لا خلاص منه.
هو أداة مقاومة: يواجه بها من يعتبر الشعر "سُبّة" أو عبثاً.
هو وسيلة للتنوير: إذ يقترن الشعر عنده بالحقيقة والعدل، وهو ما يضعه في صميم الثقافة الإنسانية.
وبذلك يمكن القول إن النص يعكس الوعي الميتاشعري الذي يجعل من الشعر موضوعاً للدفاع والتأصيل، لا مجرد وسيلة للتعبير الذاتي.
فقصيدة قاضي الشعراء تندرج ضمن النصوص التي يمكن قراءتها في ضوء مفهوم "الشعرية الدفاعية"، حيث يعلن الشاعر عبر اعترافاته أنه مذنب بالحب والشعر، لكنه في الوقت نفسه قاضٍ عادل ينصف الكلمة ضد محاولات تهميشها. النص بهذا المعنى ليس بوحاً ذاتياً فحسب، بل هو وثيقة شعرية نقدية تؤكد أن الشعر يظل قيمة وجودية ومعرفية وجمالية، تتجاوز حدود الترف إلى أن تكون أساساً للحق والعدل والضياء.
في هذه الأبيات يتجلّى شاعرنا فارساً نبيلاً وقاضياً عادلاً؛ رجولته تظهر في ثباته وجرأته،
وعدله يشرق في إنصافه للكلمة وردّ التهمة عنها، وإنصافه يتمثل في جعل الشعر محكمة للحق والنور. هكذا يغدو قاضي الشعراء مثالاً للشاعر القاضي الذي يجمع بين رجولة الموقف وعدالة الكلمة وإنصاف الحقيقة.
كما قالت الناقدة فاتن صبحي :
فى القصيدة جرس شعري عذب وجرأة اعتراف شاعر يعقد جلسة محاكمة رمزية لنفسه أمام عرش الشعر والحب وكأن القاضي هنا يستبدل منصة القضاء بعرش القصيدة .. فلا يُدين إلا بقدر ما يفيض القلب من عاطفة.
أعجبني فيها صدق البوح ..
خصوصًا هذا البيت الذي يصلح أن يكون مفتاح القصيدة:
سأقول للشعراء إني هائم
وبقصرك الدري أبقى معتكف.
فهو بيت يختصر معنى الانبهار.. حيث يتحول الشعر من مجرد قول إلى عبادة صافية في محراب الجمال.
قصيدتكم "قاضي الشعراء" لا تحاكم الحرف بقدر ما تُنصفه وتمنحه مكانته الرفيعة.
فيها اعتراف بالعشق وافتخار بالشعر و أن القاضي إذا ارتدى رداء العاطفة صار أكثر عدلاً من كل قضاة الدنيا.. لأنه يحكم بميزان القلب والصدق ..لا بسطور القوانين الجافة
كما الشاعر الكبير أحمد مرسي :
القصيدة ( قاضي الشعراء) تطرح فكرة مبتكرة: الشعراء أمام "قاضٍ للشعر"، حيث يُحاسب الشعر على صدقه وروعته. هناك مزج جميل بين العدالة والخيال الشعري، والشاعر هنا يعترف بذنب الحب أو العاطفة في الشعر وكأنه يقدّم دفاعه أمام محكمة الشعراء. هذه الفكرة تضفي على النص بعدًا فلسفيًا ورمزيًا يجذب القارئ
من حيث اللغة والأسلوب:
اللغة فصيحة ومتزنة، مع التزام واضح بالوزن والإيقاع.
هناك تناغم بين المجازات الشعرية والصور البلاغية، مثل
"الشعر جِنٌ بالقوافي ينصرف"
"قمر يضيء وبالعدالة يلتحف"
هذه الصور تضيف رونقًا وتأثيرًا بصريًا ووجدانيًا على القارئ.
القافية متسقة وجيدة غالبًا على اعتمادك على التكرار اللطيف لكلمة "ينصرف"و "يغترف"، "يلتحف" وغيرها لإبراز الإيقاع.
هناك انسجام بين العاطفة والإيقاع، ما يجعل القراءة سلسة وممتعة.
أما عن الرمزية والصور الفنية
الشاعر يمثل نفسه فارسًا وهائمًا ومحبًا للشعر، ما يعطي النص لمسة رومانسية وفخرية في الوقت نفسه.
استخدام النجمة والقمر والدري يعزز الصورة الشعرية الرومانسية، ويجعل النص يميل للقصيدة الغزلية الرمزية
في نفس الوقت.
القصيدة تؤكد على حرية الشعر، وأن الشعراء قد يُظلمون أحيانًا، لكن الشعر نفسه يظل قوة حرة تتدفق بالقوافي.
جدير بالذكر أن القاضي الجليل المستشار محمد طلبه شعبان تولى أعلى المناصب القضائية بدولة الكويت الشقيقة وتعرض لمضايقات شنيعة بسبب ديوانه الشعري الدور الخامس وقصائده البوية وتمت مساومته للاقلاع عن كتابة ونشر الشعر إلا انه رفض ذلك وواجه الحاقدين والمتربصين بمنتهى الشجاعة والقوة وانتصر على الذهب والسيف معا